شهدت بلدة تنزاواتين يوم الجمعة 31 أكتوبر 2025 حدثاً استثنائياً تمثّل في افتتاح مدرسة الشهيد حسن فجاجا، أول مؤسسة تعليمية تعود للحياة في المنطقة منذ عام 2008، عندما دمّر الجيش المالي المدرسة القديمة خلال هجومه على البلدة، ما أدى إلى توقف الدراسة لسنوات طويلة.
حضر مراسم الافتتاح مئات الأطفال وأولياء أمورهم، إلى جانب قادة محليين وممثلين عن المجتمع المدني، فيما تولّى الإشراف على الحفل السيد صالح محمد أحمد أبا، مسؤول التعليم في جبهة تحرير أزواد، الذي وصف افتتاح المدرسة بأنه “تحقيق لحلم أجيال أزوادية حُرمت من التعليم طيلة عقدين تقريباً”.


وفي اليوم التالي انطلقت الدروس بمشاركة مئات الطلبة من سكان تنزاواتين والنازحين القادمين من دوائر كيدال ومينكا، الذين فرّوا من مناطقهم إثر موجات العنف والمجازر المنسوبة لعناصر فاغنر وتنظيم داعش في 2022 و 2023 و2024. وتشير التقديرات إلى أنّ نحو 90 في المئة من سكان ولاية كيدال نزحوا نحو تنزاواتين خلال 2023-2024، بينما فر آلاف من سكان مينكا وتلاتايت الى المنطقة منذ 2022 هربا من مجازر داعش.
كلمة المسؤول عن التعليم في جبهة تحرير أزواد

في خضم هذا الحدث التاريخي أدلى السيد صالح محمد احمد أبا مسؤول التعليم في جبهة تحرير أزواد بكلمة راقية خلال افتتاح مدرسة الشهيد حسن أغ فاغاغا وجاء فيها :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله وحده، ثم الصلاة والسلام من لا نبي بعده، ثم أما بعد:
الحضور الأكارم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نتسعد اليوم جميعاً، لنسجّل سوياً بأحرف من الفخر تاريخ انطلاق عمل إنساني رائع شاركت فيه جميع شرائح المجتمع الأزوادي، لخدمة الإنسانية، وبناء الإنسان الأزوادي.
إنها لحظة فارقة في مسيرة جيلٍ قيّض الله لهم مَن ينتشلهم من ظلام الجهل، إلى نور العلم وهو مصباح الحاضر والمستقبل.
أقول: إنه التفكير السليم، والتخطيط المحكم، والعمل الدؤوب، والتنفيذ الرائع، أوصل الجميع بإذن الله، لنشاهد اليوم طفلاً في عمر الزهور يحمل حقيبة دراسية، بعد أن كاد الزمن يمزق مستقبله، ويسرق منه ربيع العمر، وفتية حرموا من التعليم، وشباب وفتيات انقطعوا عن الدراسة لأسباب مختلفة، أبرزها الحروب أو ضيق ذات اليد، فأصبحوا يهيمون على وجه الأرض دون تعليم، وإذا بمدرسة الشهيد حسن اغ فقاقه للتعليم الأساسي تفتح لهم أبوابها، تُنير لهم دروباً من الأمل، ليواصلوا الرحلة التي بدأها البعض سابقا، وآخرون فاتهم قطار التعليم، ليكملوا هنا مسيرة العلم، أو يبدأوا من جديد رغم تجاوز العمر القانوني للدراسة، تحت علم أزواد، وبمنهاج أزوادي، وبرعاية كريمة من قيادة جبهة تحرير أزواد حفظهم الله.
أيها الإخوة الحضور:
إننا عقدنا العزم سوياً بالسعي جاهدين لأن تصبح مدرسة الشهيد حسن فچاچا في المدى المنظور واحدة من المدارس المتميزة إدارياً وتعليمياً، وبمخرجات تعليمية عالية المستوى، لتحقق الهدف الأسمى لها، وهو بناء جيل يُسهم في خدمة وطنهم والمجتمع الذي يعيشون عليه، حتى لا يصبحوا عالة على الآخرين، وأقول بفخر: هنا بإذن الله سنبني عقولاً، ونسلحهم بالعلم بما يضمن لهم مستقبلاً مشرقاً.
السادة والسيدات الحضور
سنحاول بإذن الله أن تكون مدرسة الشهيد حسن اغ فقاقه للتعليم الأساسي حاضنة تعليمية تستلهم من تراثنا زرع القيم الأصيلة، وتتبصر من الحاضر رؤى للمحافظة على الهوية، وترنو للمستقبل بأمل، لبناء جيل يتكئ على قيم المنهج الوسطي الأزوادي، لتحقيق غايات وأهداف إسلامية إنسانية، من خلال طاقم تعليمي و إداري أكاد أُجزم بأنه رائع.
ختاما:
باسمي وباسم كل طالب وطالبة في هذه المدرسة وحال لسانهم يقول:” كل الشكر لإتاحتكم لنا الفرصة في أن نمسك قلما ونرسم الحروف”.
إن هؤلاء الطلبة ينتمون إلى كل شرائح المجتمع الأزوادي، فلم يُنظر إلى جنس، أو لون أحدهم، وبالتالي فقد ساد العدل في عملية القبول بين الجميع، وكذلك ستكون باقي عناصر العملية التعليمية بإذن الله.
هذا وقد سميت اول مدرسة نظامية أزوادية باسم الشهيد حسن اغ فقاقه وذلك لدوره في النضال الازوادي منذ صغره حتى وافته المنية في غارة همجية للجيش المالي في تين ظواتين. نسال الله تبارك وتعالى أن يتقبله من الشهداء ويرفع درجته في عليين وجميع رفقاه من هذه المسيرة التحريرية الأزوادية.
رمزية التسمية… والذاكرة التي لا تُمحى
تمت تسمية المدرسة باسم الشهيد حسن أغ فجاجا، أحد القادة البارزين في النضال الأزوادي، الذي استُشهد إثر قصف جوي للجيش المالي على تنزاواتين في 22 ديسمبر 2023. ويرى الأهالي أن إطلاق اسمه على المدرسة هو وفاء لتضحياته وتأكيد على بقاء الذاكرة الجماعية الأزوادية حية رغم محاولات المحو.
تزامن افتتاح المدرسة مع الذكرى الخامسة عشرة لتأسيس الحركة الوطنية الأزوادية التي تطورت عبر مراحل متعددة وصولاً إلى جبهة تحرير أزواد في صيغتها الحالية، ما أضفى على المناسبة طابعاً تاريخياً يوثق مسار النضال السياسي والاجتماعي في المنطقة.
التعليم… فعل مقاومة وبناء
لاقى افتتاح المدرسة ترحيباً واسعاً داخل الأوساط الأزوادية، واعتُبر خطوة نوعية لإحياء التعليم في منطقة كانت لعقود محرومة من أبسط الخدمات. وأكد القادة المحليون في كلماتهم أن “الثورة لا تكون بالسلاح فقط، بل بالعلم أيضاً”، مشددين على أن بناء الإنسان الواعي هو الأساس في مسار التحرر والتنمية.
وفي رسالة تهنئة رسمية، عبّرت مدرسة النجاح عن فخرها بهذا الإنجاز، موجهة التحية للسيد صالح أبا وطاقمه على “الجهود العظيمة التي بذلوها من أجل أطفال أزواد”، ومشيدة باعتبار التعليم الركيزة الأولى لبناء الدولة والمجتمع.
عودة الحياة إلى تنزاواتين
بعد سنوات من التهجير والدمار، يمثّل هذا الافتتاح خطوة عملية نحو إعادة إعمار تنزاواتين وتعزيز الاستقرار الاجتماعي فيها. فعودة الأطفال إلى مقاعد الدراسة بعد انقطاع دام 18 عاماً تعد رمزاً لولادة جديدة لمدينةٍ أرادها جيش الاحتلال المالي أن تبقى منسية.
من داخل فصول مدرسة الشهيد حسن فجاجا، يعلو اليوم صوت التعليم كرسالة أمل لأجيالٍ تؤمن بأن المستقبل يُصنع بالعلم، وأن أزواد قادرة على النهوض رغم الجراح.
من هو القيادي حسن فجاجا ؟

حسن أق فغاغا كان طارقيّاً من مجتمع إفوغاس من قبيلة إفرغوميسن. تلقّى تدريبه العسكري في ليبيا وسوريا، و شارك في الحرب اللبنانية لبنان، وقاتل خلال حصار بيروت.
شارك حسن فجاجا فغاغا في الثورة الأزوادية بين 1990–1995، حيث قاتل أولاً في الحركة الشعبة لتحرير أزواد MPLA سنة 1991، ثم في الحركة الشعبية الأزوادية MPA تحت قيادة إياد أغ غالي. وفي 1996، وبعد اتفاقيات السلم، تمّ ضمّه إلى الجيش المالي برتبة قائد. وقاد ثورة 2006 إلى جانب إبراهيم أغ بهنغا. وقد شنّ هجمات على كيدال ومينكا في 22 و23 مايو 2006.
وبعد انتهاء الثورة، عاد لفترة قصيرة إلى الجيش المالي برتبة عقيد
كما قاد فغاغا ثورة ازوادية أخرى بين 2007–2009، وكان يقود حركة “التحالف الديموقراطي للتغيير في 23 مايو 2006” (ADC). وهاجم القوات المالية في تنزاواتن في سبتمبر 2007. وفي الشهر ذاته، أسّس مع بهنغا “تحالف طوارق النيجر و مالي من أجل التغيير”، وخلال الوساطة الجزائرية في ثورة 2008،لم ينخرط حسن فغاغا في الاتفاق وذهب إلى ليبيا.
في سنة 2010، حاول فغاغا إعادة إحياء ATNMC كقوة إقليمية لمقاتلة القاعدة، لكنه لم ينجح لدعم السلطات المالية لتواجد القاعدة وعدم رغبتها في قتالها والاستفادة من أموال الفديات التي تدفع مقابل الرهائن.
كما انضم فغاغا لثورة أزواد 2012، وقاتل ضمن الحركة الوطنية لتحرير أزواد. وغادر كيدال مع رجاله سنة 2013 بعد أن عادت المدينة لسيطرة الحكومة المالية.
وفي اتفاق الجزائر 2015 تم تعيين فغاغا رئيساً للسلطات المؤقتة في كيدال.
وفي 2016، شارك فغاغا ضمن وفد من قيادة تنسيقية حركات أزواد (CMA) في باماكو لمحاولة إحياء اتفاق الجزائر.
استشهد حسن أق فغاغا صباح 22 ديسمبر 2023 في تنزواتين بضربة لطائرة بدون طيار تتبع الجيش المالي، وأعلن الإطار الإستراتيجي الدائم (CSP) خبر استشهاده في 23 ديسمبر .
